بسم الله الرحمن الرحيم
اعلم رحمك الله أن التوحيد هو إفراد الله سبحانه بالعبادة وهو دين الرسل الذي أرسلهم الله به إلي عباده فأولهم نوح عليه السلام أرسله إلي قومه لما غلوا في الصالحين وداً وسوعاً ويغوث ويعوق ونسراً.
وآخر الرسل محمد صلى الله عليه وسلم وهو الذي كسر صور هؤلاء الصالحين أرسله الله إلي أناس يتعبدون ويحجون ويتصدقون ويذكرون الله كثراً ولكنهم يجعلون بعض المخلوقات وسائط بينهم وبين الله .
يقولون: نريد منهم التقرب إلي الله ونريد شفاعتهم عنده مثل الملائكة وعيسى ومريم وأناس غيرهم من الصالحين فبعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم يجدد لهم دين أبيهم إبراهيم عليه السلام ويخبرهم أن هذا التقرب والاعتقاد محض حق الله لا يصلح منه شيء لغير الله لا لملك مقرب ولا لنبي مرسل فضلاً عن غيرهما وإلا فهؤلاء المشركون يشهدون أن الله هو ولا يدبر الأمر إلا هو وأن جميع السموات ومن فيهن والأرضين السبع ومن فيهن كلهم عبيده وتحت تصرفه وقهره.
فإذا أردت الدليل على أن هؤلاء الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يشهدون بهذا فأقرأ قوله تعالى ( قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ) (يونس:31) وقوله ( قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (المؤمنون:84) (سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) (المؤمنون:85) (قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) (المؤمنون:86) (سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ) (المؤمنون:87) ( قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (المؤمنون:88) ( سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ) (المؤمنون:89) وغير ذلك من الآيات .
فإذا تحققت أنهم قرون بهذا ولم يدخلهم في التوحيد الذي دعاهم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرفت أن التوحيد الذي جحدوه هو توحيد العبادة الذي يسميه المشركون في زماننا الاعتقاد.
كما كانوا يدعون الله سبحانه ليلاً ونهاراً ثم منهم من يدعو الملائكة لأجل صلاحهم وقربهم من الله ليشفعوا به أو يدعو رجلاً صالحاً مثل اللات أو نبياً مثل عيسى وعرفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتلهم على هذا الشرك ودعاهم إلي إخلاص العبادة لله وحده كما قال الله تعالى ( فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً)(الجـن: من الآية18) وقال تعالى (لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ)(الرعد: من الآية14)
وتحققت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتلهم ليكون الدعاء كله لله والنذر كله لله والذبح كله لله والاستغاثة كلها بالله وجميع أنواع العبادات كلها لله.
وعرفت أن إقرارهم بتوحيد الربوبية لم يدخلهم في الإسلام وأن قصدهم الملائكة والأنبياء والأولياء يريدون شفاعتهم والتقرب إلي الله بذلك هو الذي أحل دماءهم وأموالهم عرفت حينئذ التوحيد الذي دعت إليه الرسل وأبى عن الإقرار به المشركون.
وهذا التوحيد هو معنى قولك ( لا إله إلا الله ) فإن الإله عندهم هو الذي يقصد لأجدل هذه الأمور سواء كان ملكاً أو نبياً أو ولياً أو شجرة أو قبراً أو جنياً لم يريدوا أن الإله هو الخالق الرازق المدبر فإنهم يعلمون أن ذلك لله وحده كما قدمت لك وإنما يعنون بالإله ما يعني المشركون في زماننا بلفظ " السيد " فأتاهم النبي صلى الله عليه وسلم يدعوهم إلي كلمة التوحيد وهي ( لا إله إلا الله ) والمراد من هذه الكلمة معناها لا مجرد لفظها.
والكفار الجهال يعلمون أن مراد النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الكلمة هو إفراد الله تعالى بالتعلق والكفر بما يعبد من دون الله والبراءة منه فإنه لما قال لهم قولوا ( لا إله إلا الله ) قالوا (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ) (صّ:5)
فإذا عرفت أن جهال الكفار يعرفون ذلك فالعجب ممن يدعي الإسلام وهو لا يعرف من تفسير هذه الكلمة ما عرفه جهال الكفار بل يظن أن ذلك هو التلفظ بحروفها من غير إعتقاد القلب لشيء من المعاني والحاذق منهم يظن أن معناها لا يخلق ولا يرزق إلا الله ولا يدبر الأمر الله.
فلا خير في رجل جهال الكفار أعلم منه بمعنى ( لا إله إلا الله ) إذا عرفت ما ذكرت لك معرفة قلب وعرفت الشرك بالله الذي قال الله فيه (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاء)(النساء: من الآية48) وعرفت دين الله الذي أرسله به الرسل من أولهم إلي آخرهم الذي لا يقبل الله من أحد ديناً سواه وعرفت ما أصبح غالب الناس فيه من الجهل بهذا أفادك فائدتين .
الأولى الفرح بفضل الله ورحمته كما قال الله تعالى (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) (يونس:58) وأفادك أيضاً الخوف العظيم فإنك إذا عرفت أن الإنسان يكفر بكلمة يخرجها من لسانه وقد يقولها وهو جاهل فلابد يعذر بالجهل وقد يقولها وهو يظن أنها تقربه إلي الله تعالى كما ظن المشركون خصوصاً إن ألهمك الله ما قص عن قوم موسى مع صلاحهم وعلمهم أنهم أتوه قائلين ( اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ)(لأعراف: من الآية138) فحينئذ يعظم خوفك وحرصك على ما يخلصك من هذا وأمثاله.
وأعلم أن الله سبحانه من حكمته لم يبعث نبياً بهذا التوحيد إلا جعل له أعداء كما قال الله تعالى (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً)(الأنعام: من الآية112) وقد يكون لأعداء التوحيد علوم كثيرة وكتب وحجج كما قال الله تعالى (فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ )(غافر: من الآية83).
إذا عرفت ذلك وعرفت أن الطريق إلي الله لابد له من أعداء قاعدين عليه أهل فصاحة وعلم وحجج فالواجب عليك أن تتعلم من دين الله ما يصير سلاحاً لك تقاتل به هؤلاء الشياطين الذي قال إمامهم ومقدمهم لربك عز وجل (لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ)(لأعراف: من الآية16) (ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ) (لأعراف:17) ولكن إذا أقبلت على الله وأصغيت إلي حججه وبيناته فلا تخف ولا تحزن ( كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً)(النساء: من الآية76) والعامي من الموحدين يغلب الألف من علماء هؤلاء المشركين كما قال تعالى (وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ) (الصافات:173) فجند الله هم الغالبون بالحجة واللسان كما أنهم الغالبون بالسيف والسنان وإنما الخوف على الموحد الذي يسلك الطريق وليس معه سلاح وقد من الله علينا بكتابه الذي جعله ( تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ)(النحل: من الآية89) فلا يأتي صاحب باطل بحجة إلا وفي القرآن ما ينقضها ويبين بطلانها كما قال تعالى (وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً) (الفرقان:33).
قال بعض المفسرين هذا الآية عامة في كل حجة يأتي بها أهل الباطل إلي يوم القيامة وأنا أذكر لك أشياء مما ذكر الله في كتابه جواباً لكلام احتج به المشركون في زماننا علينا فنقول جواب أهل الباطل من طريقتين مجمل ونفصل .
أما المجمل فهو الأمر العظيم والفائدة الكبيرة لمن علقها وذلك قوله تعالى (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ) (آل عمران:7) وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم " مثال ذلك إذا قال بعض المشركين (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (يونس:62) وأن الشفاعة حق وأن الأنبياء لهم جاه عند الله أو ذكر كلاماً للنبي صلى الله عليه وسلم يستدل به على شيء من باطله وأنت لا تفهم معنى الكلام الذي ذكره فجاوبه بقولك إن الله ذكر في كتابه أن الذين في قلوبهم زيغ يتركون المحكم ويتبعون المتشابه وما ذكرته من أن الله ذكر أن المشركين يقرون بالربوبية وأن كفرهم بتعلقهم على الملائكة والأنبياء والأولياء مع قولهم ( هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ)(يونس: من الآية18) هذا أمر محكم بين لا يقدر أحد أن يغير معناه وما ذكرت لي أيها المشرك من القرآن أو كلام النبي صلى الله عليه وسلم لا أعرف معناه ولكن اقطع أن كلام الله لا يتناقص وأن كلام النبي صلى الله عليه وسلم لا يخالف كلام الله وهذا جواب جيد سديد ولكن لا يفهمه إلا من وفقه الله فلا تستهن به فإن كما قال تعالى (وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) (فصلت:35) فإن أعداء الله لهم اعتراضات كثيرة على دين الرسل يصدون بها الناس عنه منها قولهم نحن لا نشرك بالله بل نشهد أنه لا يخلق ولا يرزق ولا ينفع ولا يضر إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً صلى الله عليه وسلم لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً فضلاً عن عبد القادر أو غيره ولكن أنا مذنب والصالحون لهم جاه عند الله وأطلب من الله بهم فجاوبه بما تقدم وهو أن الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مقرون بما ذكرت ومقرون أن أوثانهم لا تدبر شيئاً وإنما أرادوا الجاه والشفاعة واقرأ عليه ما ذكره الله في كتابه ووضحه فإن قال هؤلاء الآيات نزلت فيمن يعبد الأصنام كيف تجعلون الصالحين مثل الأصنام أم كيف تجعلون الأنبياء فجاوبه بما تقدم فإنه إذا أقر أن الكفار يشهدون بالربوبية كلها وأنهم ما أرادوا ممن قصدوا إلا الشفاعة ولكن أارد أن يفرق بين فعله وفعلهم بما ذكر فاذكر له أن الكفار منهم من يدعو الأصنام ومنهم من يدعو الأولياء الذي قال الله فيهم (أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ )(الاسراء: من الآية57) ويدعون عيسى بن مريم وأمه وقد قال تعالى (مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) (المائدة:75) (قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (المائدة:76) واذكر له قوله تعالى (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ) (سـبأ:40) (قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ) (سـبأ:41) وقوله (وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) (المائدة:116) فقل له أعرفت أن الله كفر من قصد الأصنام وكفر أيضاً من قصد الصالحين وقاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن قال الكفار يريدون منهم وأنا أشهد أن الله هو النافع الضار المدبر لا أريد إلا منه والصالحون ليس لهم من الأمر شيء ولكن أقصدهم أرجو من الله شفاعتهم فالجواب أن هذا قول الكفار سواء بسواء واقرأ عليه قوله تعالى (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى)(الزمر: من الآية3).
وقوله تعالى ( وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ)(يونس: من الآية18) واعلم أن هذه الشبه الثلاث هي أكب ما عندهم فإذا عرفت أن الله وضحها لنا في كتابه وفهمتها فهماً جيداً فما يعدها أيسر منها فإن قال أنا لا أعبد إلا الله وهذا الإلتجاء إلي الصالحين ودعاؤهم ليس بعبادة فقل له أنت تقر أن الله فرض عليك إخلاص العبادة لله وهو حقه عليك فإذا قال نعم فقل له بين لي هذا الذي فرض عليك وهو إخلاص العبادة لله وحده وهو حقه عليك فإن كان لا يعرف العبادة ولا أنواعها فبينها له بقولك قال الله تعالى (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَة)(لأعراف: من الآية55) فإذا أعلمته بهذا فقل هل علمت هذه عبادة لله فلابد أن يقول نعم " والدعاء مخ العبادة " فقل له إذا أقررت أنها عبادة ودعوت الله ليلاً ونهاراً خوفاً وطمعاً ثم دعوت في تلك الحاجة نبياً أو غيره هل أشركت في عبادة الله غيره فلابد أنه يقول نعم فقل له فإذا علمت بقول الله تعالى (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) (الكوثر:2) وأطعت الله ونحرت له هل هذه عبادة فلابد أن يقول نعم فقل له إذا نحرت لمخلوق نبي أو جني أو غيرهما هل أشركت في هذه العبادة غير الله فلابد أن يقر ويقول نعم وقل له أيضاً المشركون الذين نزل فيهم القرآن هل كانوا يعبدون الملائكة والصالحين واللات وغير ذلك فلابد أن يقول نعم فقل له وهل كانت عبادتهم إياهم إلا في الدعاء والذبح والالتجاء ونحو ذلك وإلا فهم مقرون أنهم عبيده وتحت قهره وأن الله هو الذي يدبر الأمر ولكن دعوهم والتجأوا إليهم للجاه والشفاعة وهذا ظاهر جداً فإن قال أتنكر شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتتبرأ منها فقل لا أنكرها ولا أتبرأ منها بل هو صلى الله عليه وسلم الشافع المشفع وأرجو شفاعته ولكن الشفاعة كلها لله كما قال تعالى (قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً)(الزمر: من الآية44) ولا تكون إلا من بعد إذن الله كما قال عز وجل ( مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ)(البقرة: من الآية255) ولا يشفع في أحد إلا من بعد أن يأذن الله فيه كما قال عز وجل ( وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى)(الانبياء: من الآية28).
وهو لا يرضى إلا التوحيد ما عز وجل (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ)(آل عمران: من الآية85) فإذا كانت الشفاعة كلها لله ولا تكون إلا من بعد إذنه ولا يشفع النبي صلى الله عليه وسلم ولا غيره في أحد حتى يأذن الله فيه ولا يأذن إلا لأهل التوحيد تبين لك أن الشفاعة كلها لله فاطلبها منه فأقول اللهم لا تحرمني شفاعته اللهم شفعه في وأمثال هذا فإن قال النبي صلى الله عليه وسلم أعطى الشفاعة وأنا أطلبه مما أعطاه الله فالجواب أن الله أعطاه الشفاعة ونهاك عن هذا فقال ( فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً)(الجـن: من الآية18) فإذا كنت تدعو الله أن يشفع نبيه فيك فأطعه في قوله ( فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً) وأيضاً فإن الشفاعة أعطيها غير النبي صلى الله عليه وسلم فصح أن الملائكة يشفعون والأولياء يشفعون والأفراط يشفعون أتقول إن الله أعطاهم الشفاعة فأطلبها منهم فان قلت هذا رجعت إلي عبادة الصالحين التي ذكر الله في كتباه وإن قلت لا بطل قولك أعطاه الله الشفاعة وأنا أطلبه مما أعطاه الله فان قال أنا أشرك بالله شيئاً حشا وكلا ولكن الإلتجاء إلي الصالحين ليس بشرك فقل له إذا كنت تقر أن الله حرم الشرك أظم من تحريم الزنا وتقر أن الله لا يغفره فما هذا الأمر الذي حرمه الله وذكر أنه لا يفغره فإنه لا يدري فقل له كيف تبرئ نفسك من الشرك وأنت لا تعرفه أم كيف يحرم الله عليك هذا ويذكر أنه لا يغفره ولا تسأل عنه ولا تعرفه أتظن أن الله يحرمه ولا يبينه لنا فإن قال الشرك عبادة الأصنام ونحن لا نعبد الأصنام فقل له ما معنى عبادة الأصنام أتظن أنهم يعتقدون أن تلك الأخشاب والأحجار تحلق وترزق وتدبر أمر من دعاها فهذا يكذبه القرآن وإن قال هو من قصد خشبة أو حجراً أو أبنية على قبر أو غيره يدعون ذلك ويذبحون له ويقولون إنه يقربنا إلي الله زلفى ويدفع الله عنا ببركته أو يعطينا ببركته فقل صدقت وهذا هو فعلكم عند الأحجار والأبنية التي على القبور وغيرها فهذا أقر أن فعلهم هذا هو عبادة الأصنام فهو المطلوب ويقال له أيضاً قولك الشرك عبادة الأصنام هل مرادك أن الشرك مخصوص بهذا وأن الاعتماد على الصالحين ودعاءهم لا يدخل في ذلك فهذا يرده ما ذكره الله في كتابه من كفر من تعلق على الملائكة أو عيسى أو الصالحين فلابد أن يقر لك أن من أشرك في عبادة الله أحد من الصالحين فهو الشرك المذكور في القرآن وهذا هو المطلوب وسر المسألة أنه إذا قال أنا لا أشرك بالله فقل له وما الشرك بالله فسره لي فإن قال هو عبادة الأصنام فقل وما معنى عبادة الأصنام فسرها لي فإن قال أنا أعبد إلا الله وحده فقل ما معنى عبادة الله وحده فسرها لي فإن فسرها بما بينه القرآن فهو المطلوب وإن لم يرفه فكيف يدعي شيئاً وهو لا يعرفه وإن فسر ذلك بغير معناه بينت له الآيات الواضحات في معنى الشرك بالله وعبادة الأوثان وأنه الذي يفعلونه في هذا الزمان بعينه وأن عبادة الله وحده لا شريك له هي التي ينكرون علينا ويصيحون فيه كما صاح إخوانهم حيث قالوا (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ) (صّ:5)