الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
إن الكرامات هي ما ييسره الله تعالى لعبده المؤمن الصالح مما يعينه على تقوى الله فيكرمه به في الحياة الدنيا، فمن ذلك أن يفتح له في تدبر القرآن، أو أن يعينه على الطهارة دائما، أو أن يعينه على قيام الليل، أو أن يعينه على صيام النفل، أو أن يعينه على شهود الصلاة في الجماعة دائما، فيكون في أوج نومه، فيستيقظ على الأذان، فيجيب منادي الله، فهذا من كرامات أولياء الله، وأفضلها ما تعلق بالدين، وقد يتعلق بعضها بالدنيا، كأن ينال بعض قضاء حوائجه الدنيوية، وذلك إذا كان معينا على أمور الدين كان من تمامه، كما حصل لعمر رضي الله عنه، فقد كان بالمدينة على المنبر فقال: يا سارية الجبل الجبل، وهو يخاطب بذلك سارية بن زنيم، وهو قائد سرية من سرايا جيش في أرض فارس، وقد سمع سارية وأصحابه كلام عمر، وكانوا في الصف في مواجهة العدو، فاستندوا إلى الجبل فدافعوا عن أنفسهم حتى فُتِحَ لهم.
وبالنسبة لرسالة عمر إلى نيل مصر الراجح فيها عدم الصحة أنها لا تصح، وأما فراسة أبي بكر وعثمان وعلي فهي كثيرة جدا، فمن فراسة أبي بكر قوله لعائشة عند موته رضي الله عنه، إنما هما أخواك وأختاك، فقالت يا خليفة رسول الله أما أخواي فعبد الرحمن ومحمد، وأما أختاي فهذه أسماء فمن الثانية؟ فقال: أُرَى ذا بطنِ بنت خارجة أنثى، فبين لها أن زوجته حامل، وأن حملها سيكون أنثى، فكانت أم كلثوم بنت أبي بكر، وكذلك عثمان رضي الله عنه، فإن أنسا كان عنده فدخل عليه رجل فغضب عثمان فقال: ما بال أحدكم يدخل علي وفي عينيه أثر الزنا، فقال الرجل ما هو يا أمير المؤمنين إلا أن خرجت فرأيت امرأة فجعلت أنظر إليها وتنظر إلي حتى صدمني الجدار، فقال أنس: يا أمير المؤمنين أوحْيًا بعد رسول الله؟ قال: لا ولكنها فراسة المؤمن، فهذا النوع هو من كرامات أولياء الله تعالى.
وقد قطع العلاء بن الحضرمي رضي الله عنه البحر بكلمات، قال يا حليم يا عليم يا غفور يا تواب فيبس البحر أمامه حتى قطعه، وكذلك فإن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه كذلك قطع الفرات ودجلة على الخيل، وكان ذلك كرامة لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك فإن عقبة بن نافع -الذي فتح إفريقية وغيرها من بلاد المغرب- لما أراد اتخاذ القيروان عاصمة له، وكان واديا كثير الوحوش والهوام وقف فيه فنادى: يا أهل هذا الوادي اظعنوا عنا فإنا نازلوه، فرأوا الحيات تخرج من تحت الصخور والحجارة وهي تحمل أولادها معها، ورأوا السباع تحمل أولادها، فخرج كل ما كان في الوادي من الهوام والسباع، فهذا هو من كرامات أولياء الله واستجابته لدعواتهم.
ولكن لا بد من التمييز أن نعرف أن خوارق العادات تنقسم إلى سبعة أقسام، فأربعة منها للخير، وثلاثة للشر، فالأربعة التي للخير أولها: الإرهاصات التي تظهر قبل بعثة الأنبياء على أيديهم، كرد الفيل عن مكة تكرمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم عام مولده، وكما شاهدته حليمة من الكرامات ورسول الله صلى الله عليه وسلم صغير، فذلك هو من الإرهاصات، وكخمود نار فارس وتصدع الإيوان، ورؤيا الموبذان، فكل ذلك من إرهاصات بعثة محمد صلى الله عليه وسلم.
النوع الثاني: هو المعجزات، وهي ما يصدر للأنبياء عند التحدي بدعوى الرسالة كمعجزات الأنبياء، كناقة صالح وعصا موسى ونحو ذلك.
القسم الثالث: كرامات الأولياء، فمن كان من أهل الصلاح والالتزام في الظاهر والباطن بشرع الله فظهر على يديه أو استجيب دعاؤه في بعض هذه الأمور فذلك من كرامات الأولياء.
القسم الرابع: العون الذي يناله العبد المؤمن لا بقيد الصلاح، وقد يكون عاصيا لله لكن يعينه الله على أمور دنياه، أو على أمور دينه بأمر خارق للعادة تنفر منه راحلته فتمسكها شجرة عليه، أو نحو ذلك، فهذا يسمى العون، وليس هو من كرامات الأولياء.
أما الأقسام التي هي للشر فمنها السحر، وهو مكتسب يفعله الإنسان بمساعدة الجن له، وهو خارق للعادة، والاشتغال به كفر، وقد قال الله تعالى في قصة هاروت وماروت "وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر"، والنوع الثاني: التنجيم، وهو مثل السحر فقد يطلع به على بعض الأسرار، ويعرف به بعض الأمور عن طريق بعض علوم الشر وهو من العلوم المحرمة، وهو شرك إذا اعتقد صاحبه تأثير غير الله، وإذا لم يعتقد تأثير غير الله فهو مسقوط الشهادة فاسق لا تقبل شهادته في المسلمين، والنوع الثالث الكهانة والعرافة وهي مخالطة الجن حتى يقربوا للإنسان البعيد، ويحملوه من مكان إلى مكان، أو يسمعوه بعض الأخبار أو نحو ذلك، وهي من ولاية الجن، وقد قال الله تعالى: "وقال أولياؤهم من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله"، فكثيرا ما تلتبس هذه الخوارق على الناس فيظنون ما هو من السحر أو من التنجيم أو من الكهانة كرامة أو عونا، وهذا غير صحيح، فلا بد من التفريق، ولذلك فإن الجنيد سئل عن الولي، فقيل: أهو الذي يطير في الهواء؟ فقال الغراب يطير في الهواء وينقر الدَّبَرَ، فقيل: أهو الذي يمشي على الماء؟، فقال الحوت يمشي على الماء وتؤكل ميتته، فقيل: أهو الذي يجمع بين المشرق والمغرب في آن واحد؟ فقال إبليس يجمع بين المشرق والمغرب في آن واحد وهو أخس خلق الله، ولذلك فنحن الآن ننتظر الدجال وما قبله من الدجاجلة، وأنتم تعرفون أن الدجال يظهر على يديه كثير من الخوارق، يحيي الموتى، ويبرئ الأكمه والأبرص، ويشق الرجل نصفين، ويمشي بينهما، ثم يدعوه فيقوم وما به قُلْبَةٌ (أَيْ حمرة)، ويمر على أهل القرية فيصدقونه، فيأمر السماء فتمطر والأرض فتنبت، فتروح عليهم ماشيتهم أسبل ما كانت ضروعا، ويمر بالخربة فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل، ويمر بالقرية وأهلها مخصبون فيكذبونه فيأمر السماء فتمسك والأرض فتجدب فتروح عليهم ماشيتهم أشد ما كانت لأواء وشدة، وهذا كله من خوارق العادات العجيبة التي تظهر على يد المسيح الدجال، وأنتم تعرفون أنه عدو لله، فإذا كان الحال كذلك فعلى الإنسان أن لا يغتر بالخوارق، وأن ينظر إلى حال الإنسان نفسه لا بخوارق العادات التي تظهر على يديه، فإن كان الإنسان عالما تقيا ورعا داعيا إلى ما عمل به ملتزما لطريق رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو من أولياء الله، سواء ظهرت على يديه الكرامة أو لم تظهر، وإن كان الإنسان مخالفا لشيء من شرع الله أو جاهلا به أو غير داعٍ إليه وهو يعلمه فليس من أولياء الله، سواء ظهرت على يديه الخوارق أو لم تظهر.