الرؤى والأحلام من آيات الله العظام، الدالة على قدرة وعظمة الخالق سبحانه وتعالى؛ حيث أن الإنسان خلال لحظات بسيطة يرى من الأحداث الشيء الكثير، ويقطع المسافات البعيدة في زمن لا يكاد يذكر، بل ويلتقي بمن مات وانقطعت أخباره من الحياة الدنيا من الصالحين وغيرهم.
وعلم تعبير الرؤيا علم بشري يشغل بال الكثيرين منذ القدم، لدى المسلمين وغيرهم، والقرآن الكريم ذكر لنا بعض الأحداث في هذا الجانب كرؤيا إبراهيم أبي الأنبياء: ( يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) (الصافات:102) ، واشتهر يوسف عليه السلام بتعبير الرؤى.
ولازال هذا العلم ذو الأصول الإلهية الشريفة من قرآن كريم وسنة مطهرة شديد الأهمية – رغم قلة العارفين به – يلعب دوراً أصيلاً في تعريف الناس بربهم و بما ينفعهم ويبشرهم ويخبرهم عن أحوالهم ومستقبلهم ويرشدهم للحق والخير ويبدد حيرتهم ويجنبهم الشر ويزيد من شعورهم أن الله عز وجل معهم دائماً ويُعرِّف غير المسلمين بعظمة دين الإسلام.
*ما هي أهمية الرؤيا وفوائدها؟
1- هي جزء من النبوة ففي الحديث: (إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب، ورؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة . وما كان من النبوة فإنه لا يكذب) رواه البخاري.
2-الرؤيا الصالحة من المبشرات، كما في الحديث
لم يبق من النبوة إلا المبشرات . قالوا : وما المبشرات ؟ قال : الرؤيا الصالحة) رواه البخاري.
3- تلاقي الأرواح وتزاورها، قال تعالى: (اللَّهُ يَتَوَفَّى الأنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الزمر:42) ، يقبض أرواح الأموات إذا ماتوا، وأرواح الأحياء إذا ناموا، فتتعارف ما شاء الله تعالى أن تتعارف { فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ } التي قد ماتت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى، والقول الثاني في الآية أن الممسكة والمرسلة في الآية كلاهما توفى وفاة النوم ، فمن استكملت أجلها أمسكها عنده فلا يردها إلى جسدها ، ومن لم تستكمل أجلها ردها إلى جسدها لتستكمله، والأول هو الراجح كما ذكر ابن القيم رحمه الله..
4- البشارة بالنصر وانهزام العدو، يقول أبو بكر الصديق رضي الله عنه: عندما قاربنا مكة في فتحها رأيت في المنام كأن كلبة خرجت من مكة تنبح علينا، فلما وصلت عندنا انبطحت على ظهرها ورفعت قوائمها إلى السماء وكان ضرعها ممتلئا لبنا، فعبرها الرسول صلى الله عليه وسلم بأن تلك قريش ذهب شرها وجاء درها، فكانت بشارة للمسلمين بفتح مكة وانتصارهم.
5- فيها من الفوائد للدعوة والنصح والإرشاد والتنبيه والإعلام والوعظ ما لا يوجد في غيرها لأنها من خلال أشياء رآها الشخص وعايشها.
*هل لك أن تحدثنا عن أنواع الرؤى والأحلام؟
هي ثلاثة أنواع:
1-حديث نفس
2-حلم من الشيطان
3-الرؤيا ، وهذه لا تذكر إلا للمحبين ولمن عنده علم بتأويل الرؤى
وهذه الأنواع جاء ذكرها في الحديث الصحيح، فقد روى البخاري قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (الرؤيا ثلاث : حديث النفس ، وتخويف الشيطان ، وبشرى من الله ، فمن رأى شيئا يكرهه فلا يقصه على أحد وليقم فليصل).
*هل تعبير الرؤيا علم يكتسب؟
اخلتفوا في تأويل الرؤى هل هو علم موهوب أم أنه مكتسب ، والصحيح القول بأن هذا العلم مركب من كل هذا، فالذي يعبر يرجع ويستند على الكتاب والسنة وأقوال العلماء وقراءة الكتب ، ثم بعد ذلك يتضح للشخص إن كان لديه اهتمام ومواهب وميول لهذا المجال وهذا الفن من العلوم.
ولا بد له من الاطلاع على الماضي مما كتب في التفسير وتعبير الرؤى، ثم يبني على ذلك بما وهبه الله من قدرات.
فهو يمكن أن يكتسب ، وقد علم الرسول صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه.
كما وقع لأبي بكر الصديق رضي الله عنه حين طلب من الرسول أن يعبر وهو يسمع وخطَّأَه في بعض وصوبه في بعض.
*هل المعبر مطالب شرعا بتعبير كل الرؤى التي ترده؟
إن رأى أن تعبيرها لصالح الرائي يعبرها وإلا توقف وقال : خيرا إن شاء الله، ولا ينبغي للرائي أن يصر على معرفة التعبير.
*هل هناك علاقة بين وضع الإنسان وما يراه؟
الرؤيا لها ارتباط بما يكون عليه الإنسان، فإن كان مرتبطا بالشياطين فهي لا تتركه حتى في نومه، وإن كان مرتبطا بالطاعة والعبادة وذكر الله فإن الملائكة تكون قريبا منه ، ويرى في منامه الرؤى الصالحة في غالب الأحيان وليس دائما، وقد تكون الرؤيا إنذاراً وهي من البشارات ليقابل ذلك بالدعاء والصدقة فيخفف الله عنه بإذنه.
* إذن باستطاعة الإنسان أن يجعل رؤياه صالحة؟
نعم من أراد أن تصدق رؤياه فليتحرّ الصدق وأكل الحلال والمحافظة على الأمر الشرعي واجتناب ما نهى الله عنه ورسوله صلى الله عليه وسلم وينام على طهارة كاملة مستقبل القبلة ويذكر الله حتى تغلبه عيناه فإن رؤياه لا تكاد تكذب إن شاء الله.
وصدق الرؤيا بحسب صدق الرائي ، وأصدق الناس رؤيا أصدقهم حديثا، كما صرح به صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح، فقال: (أصدقكم رؤيا أصدقكم حديثاً).
*كيف نجيب من يرى أنه لا ينبغي الانشغال بالرؤى والأحلام؟
هذا من أقدم العلوم عند البشر، وهناك ثلاث اتجاهات حول الرؤى:
1- لا أصل للرؤى وهي خرافات وأحلام لا يلتفت إليها
2-الرؤى كلها مهمة لا يترك شيئ منها
3-ليس كلها باطلاً ولا كلها صواباً وهذا الرأي الصحيح، وهي كما بين النبي صلى الله عليه وسلم: "الرؤيا ثلاث : حديث النفس ، وتخويف الشيطان ، وبشرى من الله ، فمن رأى شيئا يكرهه فلا يقصه على أحد وليقم فليصل"، فلا ينبغي إهمال الرؤيا فهي علم ثابت بالكتاب والسنة وهدي السلف.
*ما الذي تنصحون به في حالة الرؤية صالحة أو مزعجة؟
عن أبي قتادة قال : وأنا كنت أرى الرؤيا تمرضني ، حتى سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( الرؤيا الحسنة من الله ، فإذا رأى أحدكم ما يحب فلا يحدث به إلا من يحب ، وإذا رأى ما يكره فليتعوذ بالله من شرها ، ومن شر الشيطان ، وليتفل ثلاثا ، ولا يحدث بها أحدا ، فإنها لن تضره ) رواه البخاري.
وفي الحديث الآخر: (الرؤيا الصالحة من الله ، والحلم من الشيطان ، فإذا حلم أحدكم حلما يخافه فليبصق عن يساره ، وليتعوذ بالله من شرها ، فإنها لا تضره) رواه البخاري.
فعلى من رأى رؤيا صالحة:
أ . أن يحمد الله عليها .
ب . وأن يستبشر بها .
ج. وأن يحدث بها من يحب فقط.
أما إن كانت الرؤيا مزعجة فعليه:
1- التحول إلى الجنب الآخر
2- التعوذ من شر ما رأى
3- النفث عن اليسار
4- صلاة النافلة
5- عدم قص ما رأى
6- الاطمئنان وعدم الخوف فإنها لا تضره
* هل وقت الرؤيا له أثر في التعبير؟
أصدق الرؤى رؤى الأسحار فإنه وقت النزول الإلهي واقتراب الرحمة والمغفرة وسكون الشياطين ، وعكسه رؤيا العَتَمة عند انتشار الشياطين والأرواح الشيطانية .
* هل الرؤيا يتعلق بها حكم شرعي؟
لا يتعلق بها حكم شرعي، بمعنى أنها لا تحل حراما ولا تحرم حلالا، فلو رأى شخصا يأمره بأمر ، فعليه أن ينظر فيما جاء به الشرع وليس ما رآه في المنام.
بل حتى لو رأى الرسول صلى الله عليه وسلم وأمره فلا يأخذ إلا بما أمر به قبل موته.
* هل يمكن أن يتمثل الشيطان برسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام؟
لا يمكن لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من رآني في المنام فقد رأى الحق فإن الشيطان لا يتمثل بي)، والمقياس هو الصفات الثابتة عن الرسول صلى الله عليه وسلم قبل موته، فمن رآه في صفاته الثابته عنه فقد رأى الرسول حقا، وإلا فلا.
* هل ترى أن تقام دورات وندوات حول بيان أهمية هذا العلم؟
أرى أنه ضروري وواجب على نخبة طيبة من العلماء أن يتكلوا في هذا العلم؛ حتى يكون الناس على بصيرة في أمرهم وبدون ذلك يختلط الأمر عليهم ويتعبون كثيراً كما لا حظت ذلك من ممارستي في شكاوى الكثير منهم.
* هل لك أن تذكر لنا بعض الرؤى العجيبة التي مرت بك؟
1- قبل غزو أفغانستان اتصلت امرأة فقالت: إني رأيت حية كبيرة جاءت إلى بعض بلاد المسلمين وعاثت فيها فسادا، ثم جاءت على سور من حديد التصقت به، وكلما أرادت أن تفك نفسها لا تستطيع ، وكانت معها حية أخرى صغيرة لها ثمانية رؤوس، فقلت هذه فتنة عظيمة تصيب بعض ديار المسلمين.
والرؤيا كما تكون بشارة تكون كذلك نذارة ليستقبلها بالدعاء واللجوء إلى الله ، وأخذ الحيطة والحذر.
2-رجل اتصل بي فقال رأيت في المنام كأني مت فغسلوني وكفنوني ودفنوني ، ثم أن الأرض انشقت، وأني أخرجت رأسي فرأيت رجلا فأخبرته أنني أريد الرجوع فقال الرجل : لا ترجع، ثم رأيت بيتا من دورين فاستأذنته للذهاب إليه فأذن لي، فرأيت في الأسفل جماعة من الناس يأكلون التمر ثم صعدت إلى الأعلى فرأيت رجلا أعرفه صديقا ومحبوبا لدي وكان في ثوب جميل وهيئة حسنة، فسلمت عليه وعانقته ، ثم رأيت في الغرفة المجاورة كلبا أسود هجم علي ولكن صاحبي خلصني ، فأردت قتل الكلب فقال دعه .
فقلت للرائي: هل كنت تقوم بأعمال صالحة ثم تركتها؟ قال نعم، كنت أقوم بالدعوة ثم أني من سنتين توقفت. فقلت له أنت وقعت في ذنب، ولكن كونك خرجت من القبر فهذا يدل على أنك متردد في توقفك عن الدعوة ورغبة العودة موجودة لديك، ولكن لا ترجع إلى أهلك، وأكل التمر يدل على الإيمان، والكلب الأسود هو الشيطان، وهذا الرجل الذي أنقذك منه هو من الصالحين، وهؤلاء الجماعة الذين كانوا يأكلون التمر هم صالحون فلا بد أن ترافقهم حتى ينفعوك ويجروك إلى الخير والهدى إن شاء الله تعالى، فصحبتهم فوائدها عظيمة.