الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى وبعد: قال تعالى:{أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والأرض طوعاً وكرهاً وإليه يرجعون0 قولوا آمنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتى موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون0 ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين}{آل عمران85:83} والكتب التي أنزلها الله على الرسل كتب إسلام: صحف إبراهيم والزبور والتوراة والإنجيل والقرآن وجاء محمد رسول الله(ص) بالإسلام مصداق ذلك قوله تعالى لمحمد( ص){إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبورا ًورسلاً قد قصصنا عليك ورسلا لم نقصصهم عليك من قبل وكلم الله موسى تكليما}{النساء163و164}وقوله تعالى{ وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل منكم جعلنا شرعة ومنهاجاً}{المائدة48} قال العلامة السعيدي المقصود بالكتاب القرآن جاء بالحق فى إخباره وأوامره ونواهيه وشاهداً للكتب السابقة مشتملاً على ما اشتملت عليه الكتب السابقة فمن شهد له بالصدق فهو مقبول ومن شهد له بالردة فهو مردود لأنه دخل فيه التحريف والتبديل فلو كان من عند الله فما خالفه وقد كشف القرآن كلام الله أن اليهود والنصارى لعنهم الله كتبوا أهواءهم الضالة في كتبهم ونسبوها إلى الله وقالوا هذه هي التوراة والإنجيل من عند الله كذبوا وحرفوا وبدلوا وقالوا العزير ابن الله والمسيح ابن الله . تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً واتهموا الرسل والأنبياء بالفجور والفواحش وشرب الخمر والغدر والغش وكل هذا في كتبهم مصداق ذلك قوله تعالى{فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون}{البقرة79}ويستمر القرآن الشافي بإذن الله لأمراض القلوب المريضة بالشرك قال تعالى{يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله غير الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه فآمنوا بالله ورسوله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيراً لكم إنما الله إله واحد سبحانه أن يكون له ولد وله ما في السماوات وما في الأرض وكفى بالله وكيلا}{النساء171} قال العلماء الآيات تبين لمن أراد الحق أن روح عيسى بن مريم عليه السلام خلقها الله0 إن الله تعالى تكلم فأمر فخلق روح عيسى وأمر جبريل عليه السلام أن يذهب إلى مريم ويبشرها بكلمته فنفخ جبريل روح عيسى المخلوقة بأمر الله فنزلت حتى ولجت فرج مريم فكان عيسى بن مريم عبد الله ورسوله الذي لا يملك لنفسه ولا لغيره نفعاً ولا ضراً ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً قال تعالى{إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون}(آل عمران59} ويستمر القرآن في البيان قال تعالى{لقد كفر الذين قالو إن الله هو المسيح ابن مريم وقال المسيح اعبدوا الله ربى وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار}{المائدة72} وقوله تعالى عن كفر اليهود والنصارى {وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل}{التوبة30} وكيف يكون المسيح عيسى بن مريم وأمه إلهين مع الله وهم يأكلون ويشربون ويخرجون ويموتون وقد بين الله أن المسيح بن مريم كان يحيى الموتى بإذن الله وليس من تلقاء نفسه لأنه لا يملك لنفسه ولا لغيره موتاً ولا حياةً ولا نشوراً وكان الله يجعله يأتي بهذه المعجزات ليتبين للناس أنه رسول من عند الله فيؤمنوا به ويعبدوا الله وحده لا شريك له ويستمر القرآن في البيان قال تعالى{أو لم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل}{الشعراء197} وهو عبد الله بن سلام وأصحابه الذين انتهى إليهم العلم وصاروا أعلم الناس فيكونوا حجة على غيرهم أما قوله تعالى{لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين}{المائدة83} قال ابن عباس لما حضر أصحاب النبي(ص) بين يدي النجاشي وقرأ القرآن سمع ذلك القساوسة والرهبان فانحدرت دموعهم لما علموا أنه قد ظهر الرسول المكتوب عندهم في التوراة والإنجيل مصداق ذلك قوله تعالى{الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا}{القصص54:52 }الآيات تشير إلى أن عبد الله بن سلام والنجاشي والقساوسة والرهبان كانوا مسلمين قبل أن يبعث الله رسوله محمداً(ص) برسالة الإسلام فكانوا على دين عيسى متبعين لشرائع التوراة والإنجيل كلام الله فالأنبياء دينهم واحد الإسلام ، والشرائع مختلفة فلما جاء محمد اتبعوا شريعته قال تعالى{الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا ًعندهم فى التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين امنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون}{الأعراف157} الآيات تبين أن النصارى الذين مدحهم الله في القرآن هم أتباع عيسى الذين كانوا مسلمين قبل بعثة محمد(ص) وليسوا النصارى عبدة الصليب لعنهم الله فإن محمدا(ص)أرسله الله للناس كافة ليتبعوه ولو كان الأنبياء الذين جاءوا قبل محمد أحياء ما وسعهم إلا اتباعه لأن الله أخذ الميثاق عليهم لو جاء محمد وهم أحياء أن يتبعوه قال تعالى{وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررننا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين}{آل عمران81} قال تعالى{وإذ قال عيسى ابن مريم يا بنى إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقاً لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدى اسمه أحمد}{الصف6} وصلى رسول الله بالأنبياء جميعاً في رحلة الإسراء والمعراج فدل على أنهم جميعاً مسلمون ومحمد (ص) إمامهم قال تعالى{كذبت قوم نوح المرسلين}{الشعراء15} فجعلهم الله مكذبين لجميع المرسلين مع أنه لم يكن رسول غير نوح حين كذبوه وعلى هذا فإن اليهود والنصارى وغيرهم من الكفار الذين كذبوا محمداً رسول الله هم مكذبون لجميع الرسل. إن دين اليهود والنصارى دين باطل جاء به الشيطان على لسان أوليائه من الإنس دين الكفر والشرك والذلة والمسكنة والإجرام والفواحش وأكل ما حرم الله الخنزير والميتة والزنى واللواط والمكر والخديعة والسلب والنهب والإفساد في الأرض وندعوهم إلى الإسلام أن يسلموا لله وحده لا شريك له ويشهدوا أن لا إله إلا الله وان محمدا عبده ورسوله0 إن دين الإسلام دين الحق جاء به جميع الرسل والأنبياء ليقولوا للناس اعبدوا الله مالكم من إله غيره ولا تشركوا به شيئاً واتركوا عبادة الشيطان الذي يأمركم بعبادة الصليب وعيس بن مريم وغير ذلك مما تعبدون من دون الله فإن هداكم الله وأسلمتم فقد فزتم في الدنيا والآخرة لأنكم قد اتبعتم أحكام الله في القرآن والسنة فإن الدين الإسلامي يأمر بالعدل والإحسان وصلة الأرحام وينهي عن الشرك والكفر والإفساد في الأرض ويأمر بإخلاص الدين لله وحده لا شريك له ويأمر بكل خير وينهى عن كل شر فمن شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأقام الصلاة وآتى الزكاة وصام رمضان وحج البيت فقد فاز فوزا عظيما قال تعالى{إن الذين آمنوا والذين هادو والنصارى والصابئين من آمن منهم بالله واليوم الآخر فلا خوف عليهم ولاهم يحزنون} {المائدة69} أي إيمانهم خشية لله الموجبة للانقياد بأوامره ونواهيه في القرآن والسنة وهؤلاء هم المسلمون حقا ً0إن أعداء الإسلام اتهموا الإسلام بأنه دين الإرهاب كذبوا إن الإسلام دين الله يأمر بالعدل والإحسان والعفو حتى عن الأعداء قال تعالى {فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره}{البقرة 109} إن الكفار آذوا النبي والمسلمين وأخرجوهم من مكة وعندما نصر الله نبيه محمد(ص) ظن الكفار أنه سينتقم منهم قال النبي: ما تظنون أني فاعل بكم قالوا أخ كريم وابن أخ كريم قال اذهبوا فأنتم الطلقاء0ولقد عامل الإسلام الكفار بالعدل وعاشوا تحت حكم المسلمين في أمن وأمان 0وتدبرقصة علي - رضي الله عنه- حين سقط درع علي يوماً فأخذه اليهودي ورفض أن يعطيه الدرع وكان علي أميراًً للمؤمنين وكان قادراً أن يأخذه بالقوة ويعاقب اليهودي على كذبه ولكنه لم يفعل ورفع الأمر إلى القاضي شريح فوقف خليفة المسلمين الذي بيده مقاليد السلطة هو وأحد رعاياه أمام القضاء قال القاضي تكلم يا أمير المؤمنين فقال الدرع درعي وسقط مني فقال القاضي تكلم أيها اليهودي فقال الدرع درعي وهو في يدي فقال القاضي ألك بينة يا أمير المؤمنين فقال نعم ولدي الحسن قال القاضي الولد لا تقبل شهادته لأبيه قال ألك بينة أخرى قال لا فقال القاضي الدرع لليهودي فلما رأى اليهودي هذا الإنصاف العجيب ونور العدل يشع من أركان المحكمة قال : أمير يتحاكم مع أحد رعاياه أمام القاضي والقاضي يحكم عليه أشهد أن دينكم هذا هو الدين الحق فشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وقال الدرع درعك يا أمير المؤمنين سقط منك يوم صفين وأخذته فقال علي أما وقد أسلمت فهو لك وقد وهبتك معه فرسا ًأيضاً0 هذا هو الإسلام فهل من فائز في الدنيا والآخرة فيسلم لله وحده لا شريك له 0 قال تعالى{فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون}{الأعراف158} فالقرآن كلام الله سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء ونؤمن بكل ما وصف الله به نفسه في القرآن والسنة من غير تشبيه أو تعطيل أو تكييف أو تحريف ومن تولى وكفر بالله فهو في الآخرة من الخاسرين قال تعالى{إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية}{البينة6} وأخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين فنعم المولي ونعم النصير .
__________________